فصل: مطلب فيما عدّ خيانة على سفير رسول اللّه والآيات المكية النازلة بالهجرة وعلى أي صورة نسخ القرآن العظيم:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وكانت هذه الحادثة يوم الجمعة في 17 رمضان السنة الثانية من الهجرة.
قال تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا} قادمين عليكم، والزحف انبعاث مع جر الرجل كانبعاث الصبي قبل أن يمشي وتقول العامة يحبو وسمي به الجيش الدّهم المتوجه إلى العدو لتكاثفه، فيرى لكثرته كأنه يزحف زحفا إذ يكون كالجسم الواحد في تراصه، فيظن رائيه أنه بطيء الحركة مع أنه مسرع، انظر إلى فلكة المهواية ودواليب المحركات وصدور الرحى وكل متناه في السرعة تراه كأنه واقفا، قال تعالى: {وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ} الآية 88 من سورة النمل في ج 1، وقيل في المعنى:
وأرعن مثل الطود تحسب أنه ** وقوف لجاج والركاب تهملج

أي إذا رأيتم أيها المؤمنون أعداءكم مقبلين عليكم على هذه الصورة فاستقبلوهم بصدوركم {فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ (15)} فتنهزمون أمامهم وتعطونهم ظهوركم فإنهم يستخفونكم ويلحقونكم فيدركونكم ويستأصلونكم، ثم هدد اللّه تعالى الهارب من عدوه على هذه الصفة بقوله: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} ظهره فرارا منهم يوم الزحف واشتداد المعركة {إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتالٍ} بأن يري عدوه الانهزام بقصد الكرة عليه أو يستدرجه فيطوقه من ورائه أو ينوي ضربا آخر من ضروب الحرب ومكايده وخدعه، لأن الحرب خدعة يجوز فيه ما لا يجوز في غيره، لأنه بعد أن استحل فيه سفك الدماء فلأن يحل فيه غيره من باب أولى.
ثم ذكر جل شأنه عذرا آخر في جواز الانسحاب إلى الوراء في اشتداد أزمة الحرب فقال: {أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلى فِئَةٍ} بقصد الانضمام إلى جماعة يريدون الهجوم على العدو من جهة أخرى، أو يريدون قتاله من مكان آخر، أو يريد أن يجابه العدو مع تلك الجماعة، أو بضرب آخر من فنون الحرب التي يراها، فهاتان الحالتان وما يتفرع عنهما جائز فيهما وفيما يراه من الطرق الأخرى التقهقر والهروب صنيعة بل هما مطلوبتان لما فيهما من النفع ومثاب عليهما فاعلهما، أما إذا كان انهزامه لمجرد الخوف والرهبة {فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} والعياذ باللّه، فإنه يرجع بالذم في الدنيا والعقاب في الآخرة بدل المدح والسعادة في الدنيا والشهادة والرضاء في الآخرة، لأن فعله هذا يكسر معنويات الجيش ويقوي جنان العدو فيسبب الذل والهوان والخزي والعار في الدنيا {وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ} في الآخرة {وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16)} مصير أهلها ولما نصر اللّه عباده في واقعة بدر وكان ثابتا في علمه أنهم سيلاقون حروبا أخرى، وانها قد تكون سجالا بينهم أي لهم وعليهم فقد حثهم في هذه الآية على الثبات وحذرهم من الهزيمة، وهذه الآية محكمة وحكمها عام في كل منهزم إلى يوم القيامة لأنها مصدرة بخطاب المؤمنين ومطلقة باقية على إطلاقها لم تخصص ولم تقيد، وقد جاء في الحديث الصحيح أن الفرار من الزحف من السبع الموبقات التي أمر الرسول باجتنابها، وما قيل إنها منسوخة بآية: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ} قيل لا صحة له، لأن هذه الآية مقيدة ومخصصة للتي قبلها كما سيأتي، ثم ان المؤمنين بعد أن عادوا من بدر واستقروا في المدينة صاروا يتفاخرون بينهم مثل عادة الكفرة، هذا يقول قتلت فلانا، وهذا يقول أسرت فلانا، وهذا يقول رميت فلانا، فأنزل اللّه ردّا لهم كلهم {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ} لا أنتم، لأنه هو الفاعل الحقيقي، وهو الذي أمدكم بملائكته وأمركم بقتالهم وتعهد لكم بالنصر، ولو ترككم وشأنكم لما قاتلتم ولا قتلتم وكان جبريل عليه السلام قال لحضرة الرسول أثناء اللقاء خذ قبضة من تراب وارم بها الكفرة ففعل وقال شاهت الوجوه يعني قبحت فلم يبق مشرك إلا ودخل في عينيه ومنخريه من ذلك التراب وسبب انهزام المشركين فأنزل الله: {وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ} المشركين بقبضة التراب {وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى} إذ أمر الريح بإيصاله لكل منهم، وهو الذي أمر جبريل أن يقول لك ذلك فهو المسبب الحقيقي لإصابة رميتك وجوه الكفار كافة حتى دخل أعينهم ومناخرهم، لأنك لا تقدر على ذلك، وإنما كنت سببا ظاهرا، وإذا كان اللّه تعالى يقول لحبيبه بأنه لم يرم وإنما الرامي هو جل جلاله، فلأن لا يفتخر أصحابه بما وقع منهم في هذه الحرب من قتل وأسر ونهب ورمي وسلب من باب أولى، لأن اللّه هو الذي أقدرهم على ذلك فنصرهم وخيب أعداءهم {وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ} فينعمه عليهم {بَلاءً حَسَنًا} جميلا وقد فسر عامة المفسرين هذا البلاء بالنعمة، ويجوز تفسيره بالاختبار، أي أنه اختبرهم بهذه الحادثة اختبارا حسنا فكانوا عنده كما هم في علمه {إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ} لما تقولون أيها المؤمنون {عَلِيمٌ (17)} بما تضرونه لا يخفى عليه حالكم {ذلِكُمْ} البلاء الذي اختبركم اللّه به هو منه وحده {وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ} مضعف وما حق {كَيْدِ الْكافِرِينَ (18)} ومبطل مكرهم وحيلهم.
قالوا لما خرج المشركون لقتال بدر تعلقوا بأستار الكعبة وقالوا اللهم إن كان محمد على الحق فانصره، وإن كنا على الحق فانصرنا، وقال أبو جهل لما صار اللقاء اللهم أنصر أهدى الفئتين وخير الفريقين وأفضل الجمعين، اللهم من كان أفجر واقطع لرحمه فأحنه ألوه واكسره اليوم.
فأنزل الله: {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ}، وهذا خطاب لهم على سبيل التهكم بهم، وقد مر أن ذكرنا أن الفتح بمعنى القضاء والحكم، أي أن تستحكموا اللّه على ما قلتم فقد جاءكم حكمه، فعليكم أن تتيقنوا أن محمدا أحق منكم وأوصل الرحم وأهدى الفئتين وخير الفريقين وأفضل الجمعين هو وأصحابه، ولذلك فقد أجبت دعاءه وخيبتكم ونصرته عليكم، فآمنوا به وأطيعوه {وَإِنْ تَنْتَهُوا} من الآن عن الكفر باللّه وتكذيب رسوله ومقاتلته {فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} في دينكم ودنياكم وعاقبة أمركم {وَإِنْ تَعُودُوا} لقتال رسولكم وتصروا على تكذيبه بعد أن شاهدتم كيفية نصرته عليكم وتوفيقه وتأييده من عند ربه، ولم ترجعوا عن الكفر وتؤمنوا به {نَعُدْ} لأمره ثانيا بقتالكم وننصره عليكم أيضا، وهكذا حتى تؤمنوا أو تقتلوا {وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ} وجماعتكم مهما كانت من الله: {شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ} فإن اللّه تعالى عنده أكثر وأكثر مما ترون ومما لا ترون {وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19)} لا يتخلى عنهم لأنهم أولياؤه، واللّه نعم الولي عليهم ونعم النصير.
قال تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ} فيما يأمركم به من الجهاد وغيره، وابذلوا أموالكم وأنفسكم في سبيله {وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ} وتعرضوا عما يأمركم به وتفعلوا ما ينهاكم عنه {وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20)} أي لا تنصرفوا عنه بوجه من الوجوه وحال من الأحوال ما دمتم سامعين هذه الآيات الناطقة بوجوب الطاعة والنهي عن المخالفة، والواو في {وَأَنْتُمْ} للحال، {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا} بألسنتهم {سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (21)} سماع قول إجابة، لأن هذا الصنف من المنافقين المار ذكرهم في الآية 8 فما بعدها من البقرة فإنهم يقولون آمنا بألسنتهم وهم غير مؤمنين في قلوبهم.
ثم ندّد جل شأنه عمّن هذه صفته فقال: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (22)} ما يراد بهم ولا يفهمون ما يطلب منهم، لأن من أشر من يدب على الأرض البهائم لعدم معرفتها بما يضرها وينفعها ومن هو لها ومن هو عليها ومن أشرها الذين لا يسمعون الحق ولا ينطقون به ولا يفقهون المعنى ولا يعون المغزى مما يخاطبون به {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ} أي هؤلاء المنعوتين بتلك الصفات الذميمة {خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ} سماع قبول سماع المصدقين المحبين المنتفعين بحواسهم، لكنه تعالى لم يعلم الخير فيهم من قبل، ولهذا قال: {وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ} بواسطة رسوله بعد أن علم أن لا خير فيهم وأنهم لم ينتفعوا بما يسمعون لأنهم خلقوا أشرارا ولا يتوخى منهم إلا الشر، ولذلك لو فرض إسماعهم {لَتَوَلَّوْا} عنه ولم يلتفتوا إليه {وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23)} كأنهم لم يسمعوا شيئا، نزلت هاتان الآيتان في نفر من عبد الدار بن قصى كانوا يقولون نحن صم بكم عمي عما جاء به محمد، وكانوا يقولون يا محمد أحيي لنا قصيا فإنه كان شيخا مباركا حتى يشهد لك بالنبوة فنؤمن بك، فأخبر اللّه تعالى أنهم لا يؤمنون، ولو أحيينا لهم قصيا وأمرهم بالإيمان بمحمد.

.مطلب وجوب الاستجابة لدعوة اللّه ورسوله وآيات الصفات وعموم البلاء عند سكوت أهل الحل والعقد:

قال تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ} بالانقياد والطاعة {إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ} حياة أبدية وهي الجهاد في سبيل اللّه والإيمان به والتصديق برسله وكتبه لأن في هذه الحياة العزة في الدنيا والنعيم في الآخرة، وفي ترك الجهاد الذل والموت المعنوي الذي هو شر من الموت الحقيقي {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} فلا يستطيع أحد أن يؤمن أو يجرؤ على الجهاد أو ينفق ماله في سبيل اللّه، إلا بإذنه، أي قاتلوا وآمنوا فإنه تعالى يبدل خوفكم أمنا، وجبنكم جرأة وكفركم إيمانا وبخلكم جودا، لأن أحوال القلوب اعتقادات ودواعي، ولابد من أن تتقدمها الإرادة، ولابد للإرادة من فاعل مختار، والفاعل المختار المتصرف في القلوب المقلّب لها كيف يشاء هو اللّه وحده.
روى مسلم عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يقول: «إن قلوب بني آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء».
ولذلك كان صلّى اللّه عليه وسلم يقول في دعائه: «اللهم مصرف القلوب ثبت قلوبنا على طاعتك».
وهذا من أحاديث الصفات فيجب على المؤمن أن يعتقد فيه كما جاء مع تنزيه اللّه تعالى عما هو من سمات الآدميين، لأن اللّه جلت قدرته ليس له جوارح كجوارحنا، وليس كمثله شيء أبدا، راجع الآية 210 من سورة البقرة المارة، ونظير صدر هذه الآية الآية 10 فما بعدها، من سورة الصف الآتية.
فاعلموا أيها الناس هذا {وَ} اعلموا {أَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24)} غدا لا لغيره فمصير الكل إليه وهناك يجازى العاصي ويكافيء الطائع.
قال تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً} عذابا عظيما وذنبا كبيرا وعملا فظيعا وداهية كبرى {لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} فلا تقتصر على الظالمين بل تتعداهم إلى غيرهم، لأن البلاء يعم والخير يخص، وذلك إذا أصر المنكر على إنكاره والمداهن على مداهنته والمنافق على نفاقه، ولم يأمر العالمون والأبرار بالمعروف وينهوا عن المنكر وسكتوا على تفريق الكلمة، ولم يقمعوا البدع والمحدثات المخالفة للشرع، وكسلوا عن الجهاد، فيكونون راضين بذلك كله، والراضي بالشيء كفاعله، ولهذا يعمهم اللّه بعذابه.
أخرج أبو داود وذكر ابن الأثير في جامع الأصول عن عدي بن عميرة الكندي أن النبي صلّى اللّه عليه وسلم قال: «إذا عملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فأنكرها كمن غاب عنها، ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها».
وأخرج ابن جرير بن عبد اللّه قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يقول: «ما من رجل يكون في قوم يعمل فيهم بالمعاصي يقدرون على أن يغيروا عليه ولم يغيروا إلا أصابهم اللّه بعقاب قبل أن يموتوا».
لأن سكوتهم مع القدرة رضى منهم أو تهاون بحدود اللّه، ولذلك هددهم اللّه بقوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (25)} إذا عاقب فاتقوا عقابه أيها الناس ولا تسكتوا على انتهاك حرماته ما قدرتم وتعاونوا على البر والتقوى بالفعل وعدم الرضى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان بالسكوت والرضى على المخالفات مهما استطعتم.
روي عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يقول: «من رأى منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان».
راجع الآية 165 من الأعراف في ج 1 والآية 87 من سورة المائدة الآتية.
قال تعالى: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ} أيها المؤمنون {مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ} من قبل كفار مكة وغيرهم قبل أن تهاجروا إلى المدينة ومن قبل أنتم وغيركم مستضعفون من قبل فارس والروم وكنتم سواء في الكفر، وبسبب ضعفكم كنتم {تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ} فيقتلونكم ويسبونكم {فَآواكُمْ} اللّه أولا إلى حرمه ثم إلى المدينة وأعزكم بالإسلام {وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ} على عدوكم {وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ} من غنائم الحرب لما فيها من اللذة القلبية وعلو الكلمة والكرامة {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (26)} نعم اللّه فيزيدكم {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَ} لا {تَخُونُوا أَماناتِكُمْ} التي اؤتمنتم عليها من قبل الغير قليلة كانت أو كثيرة، وسواء كانت فيما بينكم أنفسكم أو بين الناس وبين اللّه ورسوله لعموم اللفظ.
وسبب نزول هذه الآية على أقوال منها ما أخرجه أبو الشيخ عن جابر بن عبد اللّه أن أبا سفيان لما خرج من مكة وقد أخبر جبريل بمخرجه رسول اللّه فقال إن أبا سفيان بمكان كذا وكذا فاخرجوا إليه واكتموا، فكتب رجل من المنافقين إليه بذلك فنزلت.
وقال السدي: كانوا يسمعون الشيء من الرسول فيفشونه فنهوا عن ذلك بهذه الآية.

.مطلب فيما عدّ خيانة على سفير رسول اللّه والآيات المكية النازلة بالهجرة وعلى أي صورة نسخ القرآن العظيم:

وذكر الزهري والكلبي أنه لما هاجر رسول اللّه يهود بني قريظة في غزوته السابقة الكائنة في السنة الخامسة من الهجرة التي أشار اللّه إليها في الآية 27 من سورة الأحزاب الآتية سألوه الصلح على ما صالح عليه بني النضير في غزوته الخامسة الواقعة في السنة الرابعة التي أشار إليها اللّه في الآية الثانية من سورة الحشر الآتية بأن يهاجروا إلى أذرعات وأريحا من أرض الشام فأبى أن يعطيهم ذلك إلا أن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ، قالوا وطلبوا منه أن يرسل إليهم أبا لبابة بن عبد المنذر ليسترشدوا برأيه إذ كان وماله وعياله وولده عندهم، فأرسله رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم كسفير من قبله لعقد الصلح الذي طلبوه، فأتاهم فقالوا له أننزل على حكم سعد بن معاذ كما طلب رسولكم؟ فأشار بيده إلى حلقه، أي لا تفعلوا فإنه الذبح، وكان عليه أن يقول لهم امتثلوا أمره أو أرجوه أن يختار لكم غيره، لا أن يخبرهم بما سيقع عليهم وهم أعداء اللّه ورسوله والمؤمنين.